الأربعاء، 9 فبراير 2011

المعتقدات

1)- الـزيــارة :
من أبرز المعتقدات في جنوبنا الكبير إعتادها السكان في هذه المناطق منذ فترة من الزمن ، وتسمية الزيارة تطلق على ذكرى وفاة ولي صالح ، وهي عبارة عن مهرجان كبير يقيمه أهل البلد وبالخصوص أهل الولي الصالح (أحفاده) ، ويقدم إليها الناس من كل البقاع ، والزيارة تتفاوت حسب شهرتها ، فهناك المحلية وهنالك الوطنية وتوجد حتى الدولية .
قبل أسبوعين من الزيارة يحضر المشرفون عليها ما يستلزم للإحتفال بهذه المناسبة ، وغالبا ما تقام الزيارة يوم الخميس . وفي يوم ما قبل المناسبة أي يوم الأربعاء بعد صلاة العصر وفي المسجد الكبير للبلد تبدأ المراسيم بنشاط يسمى "السلكة" ، وهي أن يتجمع حفاظ القرآن الكريم من البلدة أو من الذين أتو لحضور الزيارة ويقود النشاط شيخ معروف ، والقراءة تكون جماعية بقراءة كتاب الله كاملا من بعد صلاة عصر يوم الأربعاء إلى شروق يوم الخميس ، ويسهر على نجاح هذا النشاط مسئولو المسجد ومجموعة من المتطوعين ، حيث تقدم للقراء وجبات رفيعة معينة بعد كل فترة من القراءة لأخذ قسط قصير من الراحة ثم يستمرون بعد ذلك في القراءة ، والشاي حاضر طوال الوقت ، وبعد الإنتهاء من السلكة تقام ختمة كبيرة بالفاتحة وأدعية بالصلاح للبلاد والعباد, وكذا الدعاء لأهل الزيارة والضيوف القادمين لها ، ومنه مباشرة يذهب الجمع من المسجد نحو ضريح الولي الصالح وهم يقرؤون في الطريق إليه قصيدة البردة ، وبعد الوصول إلى الروضة يقوم شيخ البلاد بقراءة الفاتحة والدعاء .
وفي المساء تكون مظاهر الإحتفال بشكل آخر ، حيث يبدأ الناس بالتجوال والتجمع من كل مكان ، والترحيب بالضيوف رجالا ونساءا وأطفالا . والفرق الفولكلورية حاضرة بنشاطاتها الممتعة بآلاتها المعروفة (أقلال، الدندون، الطارا، البقال، البندقية...) . وأبرز هذه الفرق فرقة البارود الذي هو عبارة عن رقص جماعي لمجموعة من الرجال يترأسهم قائد الفرقة ، حاملين بندقيات تستعمل لإطلاق البارود ، ويكون الرقص بالدوران والإنضمام والتباعد بأسلوب متناهي الدقة وفائق الروعة ، بقرع الطبول على إيقاع معين خاص بالبارود ، وعند إشارة مدروسة من قائد الفرقة تفرغ البنادق في وقت واحد ليسمى كل هذا التفريغ (قرص) ، وتتواصل أقراص البارود إلى وقت معلوم ، وأغلب ما يقال أثناء الرقص مديح وأحكام ترددها الفرقة , مثلاً يبدأ البارود بمديح فيه :"بسم الله وبالله الصالحين" . ويختم بقولهم :"سيدنا محمد عليه السلام". كل هذه الأنشطة وغيرها تستمر حتى وقت المغرب فيتجمع الناس في مكان قريب وواسع لتأدية الصلاة وتلقى بعدها دروس ومحاضرات تتضمن أغلبها مواضيع الوقت حتى وقت العشاء وبعد الصلاة يتناول الجميع وجبة العشاء بطبق العيش (الكسكس) ويقدم الشاي وتقرأ الفاتحة ويختم بالدعاء .
وبعد كل ذلك تختم الزيارة بنشاط مدائحي موسيقي يسمى "الطبل" ومن أساسياته المزمار ، وتكون في آخر كل أغنية (مرجوعة) تزيد فيها قوة الطبل . فيرقص الناس ويزهون وهم يودعون الزيارة في انتظار أخرى في القريب العاجل ، فالبركة التي أودعها الله تعالى في القليل , وكذلك كرم الأهالي وحبهم لتضييف الضيوف وإيثارهم على النفس يجعل الناظر يندهش من كل ذلك الخلق وطريقة إطعامهم . وحقيقة الرزق مقسوم والأجل معلوم والكل بيد الله .

2)- الشـــــامية :
هي مظهر من مظاهر إحتفال الزواج , وقد غضضنا الطرف عن هذا الأخير لما يطول الكلام فيه لأنه وحده تدخل فيه عادات ومعتقدات عديدة . فالشامية ما هي إلا قليل من كثير ما يحدث في الزواج, فهي تقام بعد ليلة الدخلة ، ويتم هذا الفال أو المعتقد بأن يذهب العريس باكرا إلى واحات النخيل (الجنة) ويجلب منها أشياء معينة منها تمر ذا حجم كبير وورود مفتحة وسعف النخيل وبعض الحشائش المباركة وأعشاب أخرى ، ويضاف إليها الحلي (الجواهر) وأقلام من القصب وأصبح مؤخرا يضاف الحلوى والعلك والشوكلاطة . ويضع العريس كل تلك الأشياء في برنوسه ويتوجه نحو بيت العروسة فيصعد إلى سطح البيت ، وتجلس العروسة في الحوش وتتجمع حولها البنات اللواتي لم يتزوجن وهن يغنين بصوت هادئ إحتراما للعريس . فيلقي العريس كل ما في برنوسه على عروسته فتتهافت الفتيات نحو الملقيات وينقضضن عليها لجلب شيء من تلك الأشياء لإعتقادهن أن كل من يحصل على شيء من تلك الأشياء يكون لها حظ أوفر للزواج مستقبلا ، وكلما كان الشيء الذي تحصل عليه الفتاة ثمينا كان حظها (سعدها) في الزواج أوفر وأقرب . وبعد انتهاء العريس من الرمي ينزل من السطح جاريا ويترك الفتيات يتحاكمن لحظهن إما السعيد أو التعس .
فهذه المعتقدات يتعاطاها النساء خاصة فهن اللواتي يهتممن بهذه الأشياء ويسعدن ويفرحن للقيام بها .

3)- بـهـــروز :
هو شخصية خيالية يقال أنها تأكل العظام ، ومعناها "لحم الرؤوس" أي رؤوس الكباش . وهو معتقد يكون في اليوم الثالث من عيد الأضحى بعد يومي العيد والمشرح ، ويتم هذا الأمر في الليل بعد صلاة العشاء ، فأهل البلد كلهم في تلك الليلة يتعشون برأس وأطراف الأضحية (بوزلوف) وبعد الفراغ من العشاء تأخذ تلك العظام في الأيدي ويخرج الناس من منازلهم ويشكلون مسيرة طويلة بالطبول والمزامير وهو يرددون :
لالــي لالــي بـهـــروز * يـا وكـال لـحـم الـريــوس
وفي إعتقادهم أنه يوجد وحش في ما وراء البلاد يدعى بهروز ، ولئلا يأخذ لحوم أضحياتهم يقدمون له تلك العظام ليأكلها ، وأثناء السير يكون الكبار الحاملين لوسائل القرع للمقدمة وبعده منهم أقل منهم سنا يحملون المزامير ويليهم الصغار ، وكلهم يحملون عظاما يرمونها في مكان بعيد وعندما يرمي كل واحد منهم عظمته يهرب إلى بيته , وفي صباح يوم الغد تعاود المسيرة إلى ذلك المكان ويكون القرع بالقدور والملاعق فيسمى هذا اليوم بـ "قرقاب القدحان" الذي يأتي بعد أيام العيد والمشرح وبهروز ليكون ختما لأيام عيد الأضحى .
وهذه المعتقد مذموم في بعض الأحيان فهو وإن كان تسلية للكبار يشكل لدي الصغار معارف باطلة وكوابيس مفزعة تكون سببا في الإخلال بعقائدهم الدينية السمحة . إلا أنها تبقى مجرد وسيلة للتسلية , تترك النفوس منشرحة والضمائر مرتاحة خاصة وأنها ايام العيد . ويقال في الجود ولبس الجديد في العيد:" جد وجدد في العيد حيى ولو بالحديد".

4)- لـبـــات :
عبارة عن زيارة أهل البلد لقبور الاجداد وقراءة الفاتحة على ارواحهم مع الدعاء لهم بالرحمة والغفران .
ففي مساء كل خميس من الاسبوع يتجه الناس صوب مدينة لبات لقراءة القرءان والادعية المختلفة ترحما على اروح اجدادهم , وسميت هذه العادة بهذا الاسم"لبات" نسبة لابائنا الأوائل مدفونون بهذه المقبرة القديمة , ويتجهون الى زيارة المقبرة مصحوبين بما تيسر من طعام وشراب خاصة "الحساء" و"الشاي" الأكلة العامية والبسيطة والمتوفرة لدى عامة الناس أم. ا عن الأبعاد المختلفة سواءا البعد الإجتماعي أو النفسي فإن سكان المنطقة يعتقدون في آباءهم الأوائل أنهم كانوا على خلق حسن وأنهم قاموا بأعمال يمجدها التاريخ سواءا بالدعوة إلى الدين الحنيف أو بمقاومة المستعمر , وعليه فإن سكان المنطقة يلتمسون من المولى عز وجل الرحمة و الغفران لأولئك السلف الصالح , وأن يجعلهم خير خلف لهم .
وعليه فإن الناس من خلال هذا الإعتقاد يرون أن المولى عز وجل سوف يتقبل منهم ويستجيب لدعواتهم مقابل تلك الأعمال التي قام بها أسلافهم , وأن أولئك السلف الصالح هم القدوة الحسنة التي يمكن أن يسيروا على نهجها وخطاها بعون الله .

5)- لـمـنـامــــات :
من المعتقدات الصحراوية التي لها مكانتها في مجتمعنا ، وتحدث عندما يرى في المنام (يحلم) شخص رجلا كان أو امرأة رؤية تسره بما فيه خير البلاد وسكانها فيخبر بها الناس ، ويقيم تبركا بذلك مأدبة تدعى "الصدقة" ، وهذه الأخيرة لها مناسبات عدة تقام فيها منها مأدبة الوفاة , ومأدبة تذكر الوالدين , ومأدبة ذكرى الصالحين ، ومأدبة غداء يوم عاشوراء , وغيرها . ويستدعي صاحب المنامة في الصدقة الأهالي حسب إمكانياته المادية, ويستحب طبخها وأكلها في العرق .
وعندما تكون المنامة متعلقة بشخصية معروفة في البلد يقوم السكان كلهم بالتصدق لوجه الله . وليست المأدبة وحدها مظهرا للمنامة ، فيوجد مظهر آخر يتمثل في أن تكون المنامة متعلقة هذه المرة بشيخ البلاد أو شخصية مبجلة ، فبعد إلقاءه لها في الملأ يؤمر بتسييل الدم وهذا الأخير يتم بذبح أي شيء يقدر عليه رب العائلة(جمل، كبش، دجاجة، طير ...) ويطعمها الذابح لأهل بيته وعائلته .
وهذة البدع لا يمكن الحكم عليها بالحسنة أو السيئة وحتى متعاطوها والقائمون عليها لا يصدرون حكما واضحا فيها ، فبعدها الإجتماعي يتمثل في مدى تفاهم فئات المجتمع وارتياح نفسيتهم بتطبيق هذه الأشياء على وجهها الصحيح والمألوف .
فقيمتها إجتماعية مادية تعود بالفائدة على بسطاء الناس بالتصدق عليهم ، وحقيقة لا مكانة للطبقية في مجتمعنا الصحراوي , فالكل يظهر البساطة سواءا كان غنيا أم فقيرا ، فهم سواء ولا فخر . لكن بتطور وتحضر المجتمع تبرز الطبقات والمفاضلات فيكون هذا التطور في المجالات الإقتصادية والتكنولوجية تخلفا في العادات والأخلاق والمعتقدات ، فنسأل الله اللطف والثبات .

6)- مـرض الـقـمــر :
وهو علميا يعني خسوف القمر, وهي حالة فلكية تنجم عن توسط الأرض بين الشمس والقمر فينتج إختفاء جزئي أو كلي للقمر ، فأهالي القرى الصحراوية الذين ما زالت لديهم نبرة من الجاهلية يعتقدون أن القمر مريض فيتسارعون في تلك الليلة للخروج إلى الشوارع مرتدين ملابس مقطعة رجالا ونساءا وأطفالا يجولون شوارع المدينة حاملين معهم أدوات الطبل (الدندون، البقال ...) ويتمادون في قرعها والغناء الباكي لإعتقادهم أن القمر مريض وحزين وإذا بقي هكذا سيفنى ويفنو معه, وبغناءهم له سوف يتعافى ويسعد ، ومن بين ما يقولون :
شـاهــدو يــا شـاهــدو * لا تـمـوتــوا كـافـريــن
بمعنى قولوا لا إله إلا الله قبل أن تموتوا . ويواصلون في تلك الأعمال حتى يعود القمر إلى حاله الطبيعي ، فيأمر قائد المسيرة بالجلوس في المكان الذي وافق شفاء القمر وتذبح فيه الكباش وتشوى على النار وتؤكل في نفس المكان إحتفالا برجوع القمر إلى حالته . فالأهالي يسعدون لوجود القمر في الليلة الظلماء ، فهو يمثل دورا كبيرا بإضاءة الطريق والمنازل لهم ، كون أن القرية غير متحضرة فلا تتوفر على كهرباء أو مصابيح للإنارة ، فالضوء في الليل إما قمر أو قنديل أو نار . وتختم التظاهرة في منتصف الليل بالفرح والمرح ومن ثم يرجع الناس إلى منازلهم وهم سعداء بعدما خرجوا منها يتحازنون ويتمارضون كما القمر .
إن هذا المعتقد من المعتقدات الباطلة عقلا وشرعا , فالخسوف ظاهرة علمية واضحة , والقمر ليس إنسانا ليمرض أو يحزن ، فما الذي يبكيه وما يحزنه ، ولو صح فأين الطبيب وكيف الشفاء . فهذه المظاهر وغيرها من الأشياء الفاسدة تبقي المجتمع في تخلف وركود دائمين ، كما تحقق في النفس خيالا وهميا كالسراب لا حقيقة منه ، كما أنها تمس الجانب العقائدي أو الديني بشكل أو بآخر .
فالقيمة هنا معدومة والحمد لله أن هذه المشاكل قد اندثرت مع تطور وكشف الحقائق العلمية للكون ، فهي وإن لم نقل زالت فهي توجد بنسبة تحت القليلة وهذه النسبة سوف تزول بيقظة وتعلم المجتمع بحول الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق